6/6/09

مقال عجبني : توماس جورجسيان يكتب:شوف الصور.. واتعلم



لا

يكفي أن يكون لك تاريخ

المهم أن تكون لك ذاكرة..

عبارة سمعتها منذ سنوات من محاضر في إحدي الجامعات الأمريكية. ولم أنسها حتي هذه اللحظة ولن أنساها أبدا. وكيف أنسي؟! والعبارة تلخص الكثير من المعاني وتصيب في الصميم.. وتتحدث عن الذاكرة ـ تلك القوة المتميزة والساحرة التي نحافظ بها علي أهم وأجمل ما في حياتنا.
.

ولعل أكبر تحد يواجهه الإنسان في حياته هو أن يفقد الذاكرة.وأن تتلاشي وتتبخر ذاكرته مع دورة الأيام وفصول الحياة.

ذاكرة ما يريد أن يتذكره ويذكر به الناس. وذاكرة ما يريد أن يحافظ عليه ويحميه من قسوة الأيام ومن بطش أرباب اللحظة العابرة ـ الانتهازية وأصحاب الذاكرة القصيرة أي ذاكرة بمفهوم اخطف واجري.. ولا تزرع شجرة ولا تعمق علاقتك بالمكان.. أو الإنسان. وكلها أيام معدودة أو يومين وتعدي.

وشهر يونيو في ذاكرة مصر والعرب وتحديدا يونيو 1967 يعني العديد من أوجه الصدمة والحزن والغضب وفقد الثقة في السلطة وفي النفس. وتلك الذاكرة مؤلمة بتداعياتها السياسية وآثار جروحها النفسية رغم مرور أكثر من أربعين عاما.

وها هو يونيو آخر في حياتنا يخاطب فيه الرئيس الأمريكي باراك أوباما من القاهرة العالم العربي والإسلامي خطابا ليصل إلي قلوب وعقول العرب والمسلمين. ونتساءل هل الخطب وسيلة ناجحة وفعالة للوصول إلي القلوب وكسب ود وثقة واحترام الشعوب؟ الكلام ده سمعناه كثيراً قبل كده. والمصري الفيلسوف بطبعه ليس في حاجة إلي أحد ليذكره بالحكمة الشعبية : أسمع كلامك تعجبني وأشوف أمورك استعجب. فيما يخص واشنطن ـ عاصمة القرار الأمريكي أمورك تعني ببساطة سياساتها ومواقفها وقراراتها وخياراتها الاستراتيجية وألاعيبها السياسية والدبلوماسية. يجب أن اعترف بأن عبارة «الكيل بمكيالين» جاءت أيضا في بالي ولكن لم أذكرها تفاديا للجوء إلي الأكليشيهات التي اعتدنا استعمالها كلما تكلمنا عن واشنطن علي شاشات التليفزيون أو صفحات الصحف.

شهر يونيو بالنسبة للذاكرة البشرية يأخذنا إلي أقصي شرق الكرة الأرضية.. إلي الصين قبل عشرين عاما تحديدا ـ يونيو 1989.

وهناك صورة لا تفارق ذاكرة البشرية. صورة «رجل الدبابة». ولا أحد عرف وقتها ولا أحد يعرف حتي الآن هوية واسم هذا الشاب الذي شد انتباه العالم كله. وأيضا لا أحد يعرف حتي الآن ماذا حدث له.

شهدت ساحة تياننمان في العاصمة بكين في ربيع 1989 تحركات ومسيرات طلابية تطالب بالديمقراطية وحقوق الإنسان. وكانت حركة المطالبة قد بدأت في شهر أبريل من نفس العام وتزايدت حدتها وعدد الطلبة المشاركين فيها بشكل لفت انتباه العالم ووسائل الإعلام الغربية وبالتالي زاد من قلق وانزعاج السلطات الصينية. وجاء يونيو وفي فجر يوم 4 يونيو تحركت القوات العسكرية لاحتواء الحركة والقضاء عليها. وكانت المصادمات الدموية وسقط قتلي بالمئات.

والصورة الشهيرة التقطت ظهر يوم الخامس من يونيو 1989 صورة شاب أعزل واقف بمفرده أمام دبابة تقف وراءها دبابات. في لقطة فيلمية سجلت حينئذ، كانت الدبابات تسير في طابور لتحتل مواقع جديدة في مواجهة الطلبة. هذا الشاب المجهول وقف أمام أول دبابة وعندما حاولت الدبابة تغيير مسارها تحرك الشاب ليقف أمامها مرة أخري. وفي لحظة صعد الشاب علي الدبابة ليتحدث مع قائدها ثم نزل منها ليصطحبه آخرون إلي المجهول.

الصورة تساوي ألف كلمة ـ حكمة قديمة تأكد صدقها مع هذه الصورة التاريخية. وقد التقطها جيف واينر (من وكالة أسوشيتدبرس) من الدور السادس بفندق بكين من علي بعد 800 متر من مكان الواقعة وبعدسة 400 مم. وقد اختارت مجلة تايم في عام 1998 هذا الشاب وسمته «المتمرد المجهول» واعتبرته من ضمن أهم مائة شخصية في القرن العشرين.

وفي الدنيا التي نعيش فيها ولها فان أناساً مثل «رجل الدبابة » وجنود مجهولين في معارك الحياة ـ حتي اليومية منها يعتبرون «خميرة» الحياة.. أي دون وجودهم لا نجدا خبزا نعيش به. كما يعدون أيضا «ملح» أو «بهارات» الحياة.. بهم يصبح للحياة ـ حياتنا طعم خاص ورائحة مميزة. الدنيا ماشية بهم وأحيانا كثيرة إحنا مش واخدين بالنا منهم.

وأديبنا العملاق يحيي حقي اشتهر بأنه سلط الأضواء وتبني باهتمامه وقلمه الرشيق حياة هؤلاء الذين أسماهم بـ«ناس في الظل». وأخذ يرسم بكلماته بورتريهات لأنه أحس بأن «قلوبهم لا تسممها المرارة ولا تضنيها الحسرة، رضوا بحظهم واستراحوا لأنهم سلكوا أنفسهم في نظام الكون وحدسوا حكمته، فلولا الظل لما كان نور، ولولا الغربة لما كان وطن، ولولا الشيخوخة لما كان شباب، ولولا الفقر لما كان ثراء، ولولا حمار الشغل لما تبختر الرهوان.. فهم الشهادة والاستشهاد..»

كتابات يحيي حقي ـ صاحب «قنديل أم هاشم» و«البوسطجي» في حاجة إلي قراءة جديدة وعيون جديدة من القراء الشباب خاصة أن طبعة جديدة من كتبه تم إصدارها من دار «نهضة مصر» نراها الآن متوافرة في المكتبات. وبالطبع لا يمكن أن أنسي ساعات التأمل والإبحار في عالم الكتابة والإبداع التي أمضيتها معه. ولن أنسي مابرر به الكاتب العظيم عدم استمراره في الكتابة عن طريق الإملاء بعد أن ضعف نظره اذ قال إنه بعد أن يكتب الكلمة ينظر إليها ويتأملها ويلاغيها ويدلعها ويلاطفها وفي الأخر إما أن يتركها مع أخواتها الكلمات الأخريات وإما أن يسحبها من بين الصفوف أو يشطبها. واعترف أنني من ذلك اليوم بدأت أكتب الكلمات وأقراها بطريقة مختلفة وبنظرة مختلفة.

والتأمل فيما يحدث حولنا أو ما يحدث بداخلنا هو إحدي وسائل الاستمتاع بالدنيا. وقد كشفت دراسة أجريت أخيرا بجامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس أن التأمل يزيد من حجم بعض المناطق من المخ. وأشارت مجلة «نيورو اميج» إلي أن مجموعة من الباحثين استخدموا التصوير بالرنين المغناطيسي عالي الدقة ( أم أر أي ) علي أدمغة أناس يمارسون التأمل لمدة تتراوح مابين 10 و90 دقيقة يوميا. وتم الاكتشاف أن بعض المناطق في أدمغة من يمارسون التأمل ولفترات طويلة أكبر من الأشخاص العاديين.

وهنا نتساءل هل تعبير كبر دماغك والمنتشر في قاموس الروشنة له مدلول أو تفسير نفسي وفسيولوجي أيضا أي كلما تأملت الأشياء والأفراد من حولك فإنك بالفعل تكبر دماغك وإذا لزم الأمر قد تشتري دماغك أيضا.

وقالت إيلين لودرز إحدي القائمات بالدراسة أن الأشخاص الذين يتأملون باستمرار يتمتعون بقدرة فريدة علي تعزيز المشاعر الإيجابية (وكم هي مطلوبة هذه الأيام) والحفاظ علي الاستقرار العاطفي والانخراط بالتيقظ والانتباه في أمور الحياة. كما أكدت الدراسة أن أصحاب التأمل ليس لديهم فقط تركيز أفضل وتحكم أفضل في مشاعرهم بل أنهم بممارساتهم لتمرينات التأمل يقللون من مستويات الضغط النفسي لديهم ويزيدون من قدرات جهاز المناعة في أجسامهم. طلع إن في التأمل سبع فوائد والأهم طبعا إن تكبر دماغك.

وإذا كانت صورة «رجل الدبابة » منذ 20 عاما مازالت في الذاكرة رغم أن صاحبها مجهول فإن صورة أخري لشخصية شهيرة شدت انتباه الدنيا أخيرا خاصة في وسائل الإعلام.

الصورة لكارلا بروني زوجة الرئيس الفرنسي وهي عارية ومستلقية علي سرير وقد التقطت عام 1994 عندما كانت كارلا في السادسة والعشرين من عمرها وهي الآن في الـ 41 من عمرها. الصورة ستطرح للبيع في مزاد علني هذا الأسبوع في برلين بألمانيا. كانت كارلا موديلا حينئذ ولسنوات طويلة وقد ظهرت لها صور عارية عديدة بيعت واحدة منها العام الماضي بـ 95 ألف دولار. ويبدو أن هذه الصور لا تسبب إزعاجا أو إحراجا لزوجة الرئيس الفرنسي أو الرئيس نفسه.

وكارلا شخصية جذابة بجمالها الأخاذ وبذكائها الملفت للانتباه وهي صاحبة مواقف لا تتردد في أخذها في الحياة العامة. وقصة حب كارلا بروني والرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي اكتملت بالزواج في باريس في 2 فبراير من العام الماضي بعد ثلاثة أشهر من اللقاء الأول. ومابين اللقاء الأول والزواج كانت زيارتهما لمصر وللأهرامات. وذكر أن ساركوزي طلب يدها في مصر وقدم لها خاتماً ماسياً علي شكل قلب. وجاء ألبوم أغاني لها في العام الماضي لتخلد قصة الحب هذه مع الأهرامات والنيل. وتقول الكلمات (وقد تكون كارلا كاتبتها): انظر للأهرامات بجوار النيل.. وفقط تذكر يا حبيبي أنك تنتمي لي.

وطالما الدنيا ماشية.. حية ونابضة بصورها وبواقعها وقصص الحب

فإن مشاهد الحياة ومواقف البشر من الدنيا وما فيها ومن فيها هي بلا أدني شك لحظات عشق ومعانقة وذوبان في تفاصيل الحياة ـ وما أعذبها وما ألذها. إذ أن مصطفي يذكرني بموسيقي زامفير العذبة والسلسة والرقراقة التي تغسل آذانه صباح كل يوم من ضوضاء وهموم وقرف الأمس. أما نهي فكم كانت رائعة وهي تلتقي بأصدقاء لها بعد سنوات طويلة لتنقض علي تامر قائلة له: أنا زي ماأنا ماتغيرتش ـ مش كده؟ ثم تكمل: بس اوعي تغلط. وانطلقت الضحكة الصافية الساخرة من الزمن وسنينه. أما سعيد وهو علي بعد أسابيع من دخوله قفص الزوجية أو عش الزواج يري كل من حوله يقول له ألف مبروك وإن شاء الله كل خير. وهو يدرك ـ بينما يقوم بترتيبات الزواج ـ بأن أحد أصدقائه قد يأتي إليه بعد أسبوع أو أسبوعين من زواجه ليهمس في أذنه قائلا: «عدد المغفلين زاد واحد». أما الطفلة أماني فكم هي فيلسوفة عندما تتساءل بعفوية: ليه بنسمع الحكايات الحلوة والظريفة قبل النوم فقط وليس في كل الأوقات!!

وهنا يتدخل الشاعر التشيكي فرانز كافكا لينبهني وينبهك: «أنت تتصور أنك استنفدت كل امكاناتك، لكن ها هي قوي جديدة تهرع نحوك، وهذا ما يسمي الحياة».

نعم تهرع نحوك وتجذبك.. وتأخذ عقلك. وتبدأ أنت في مطاردتها وملاحقتها و.. اكتشاف مذاق جديد للدنيا

المصدر : جريده الدستور

No comments: